كتبت وانغ مو يي: أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في البحرين يوم 18 كانون الأول/ديسمبر بالتوقيت المحلي أنَّ الولايات المتحدة ستعمل مع العديد من الدول لتنفيذ دورية مشتركة باسم "حارس الازدهار" جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
تأتي هذه الخطوة على خلفية الهجمات اليمنية على السفن "المرتبطة بإسرائيل" التي تمر في البحر الأحمر منذ اندلاع الحرب على غزة، التي يرى أوستن أنها ليست مشكلة أميركية فحسب، بل مشكلة دولية أيضاً تتطلب رداً دولياً، ولكن قد لا تؤدي هذه العملية إلى تهدئة الوضع في البحر الأحمر. على العكس، ربما ستتسبب بالمزيد من مخاطر توسع الصراع.
يعد البحر الأحمر أحد أهم الطرق اللوجستية في العالم للطاقة والسلع الصناعية، إذ يعبر نحو 20 ألف سفينة البحر الأحمر وقناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط كل عام. وإذا استمر إغلاق الطريق، فستلجأ السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، ما يزيد أوقات العبور وتكاليف الوقود والتأمين. في الوقت الحاضر، علقت شركات الشحن الأوروبية الأربع الكبرى عمليات النقل في البحر الأحمر. وإذا استمرت الأزمة، فسوف تسبب خسائر للشحن العالمي.
إن التوترات في البحر الأحمر هي من تداعيات الحرب على غزة، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أنه لا يمكن السيطرة على أي صراع محلي بطريقة محلية في عصر العولمة. وليس من الخطأ القول إنَّ مشكلة البحر الأحمر الحالية تعتبر مشكلة دولية، إذ إنها تتعلق بمصالح الأطراف المختلفة، وبالتالي فإن طريقة حل هذه المشكلة لا يجب أن تكون أحادية الجانب.
لقد استمرت هذه الجولة من الصراع ما يقارب 80 يوماً، ولا يلوح في الأفق حتى الآن ضوء السلام. إنّ اتخاذ الترتيبات الفنية لحل التوترات في البحر الأحمر من دون دفع وقف إطلاق النار في غرة يعد علاجاً ظاهرياً فقط، وليس علاجاً جذرياً، ولن يكون ممكناً تحقيق نجاح كعلاج ظاهري. من الصعب للولايات المتحدة اعتراض صواريخ اليمنيين وطائراتهم المسيرة بشكل كامل. بدلاً من ذلك، قد يؤدي الأمر إلى اندلاع عاصفة أكبر في الشرق الأوسط.
تدرك الولايات المتحدة جيداً كيفية حل التوترات في البحر الأحمر. كان الوضع في البحر الأحمر مستقراً نسبياً أثناء دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الهدنة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. بعد استئناف الحرب، أصبح الوضع متوتراً فجأة.
يمكن القول إنَّ وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيؤدي بطبيعة الحال إلى تهدئة التوترات في البحر الأحمر، لكن الولايات المتحدة هي التي صبت الزيت على النار بشكل صارخ في الحرب على غزة. في 8 كانون الأول/ديسمبر، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، ما أدى إلى فشل تبني مشروع قرار بشأن وقف إطلاق النار الإنساني في غزة اقترحته الإمارات العربية المتحدة بأغلبية 13 صوتاً لمصلحة المشروع وامتناع عضو واحد عن التصويت مقابل صوت معارض. وفي 9 كانون الأول/ديسمبر، وافقت الحكومة الأميركية مرة أخرى على تقديم 14000 طلقة من قذائف الدبابات بقيمة نحو 110 ملايين دولار لـ"إسرائيل".
وتجدر الإشارة إلى أن العملية المشتركة التي يقودها الجيش الأميركي تحت اسم "حارس الازدهار" تشمل أيضاً 9 دول أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا. ومع ذلك، لم تشارك مصر والسعودية وقطر وسلطنة عمان في هذه العملية، الأمر يشير إلى أن دول المنطقة لديها قلق ومخاوف من أن تؤدي هذه العملية إلى تصعيد الصراع أو تقويض عملية المصالحة في الشرق الأوسط.
إن الوضع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط معقد. شنت الولايات المتحدة العديد من الحروب هنا، وحرضت على العديد من أعمال الشغب، ولكنها عانت منها كثيراً. ويبدو أن الولايات المتحدة تتمتع بخبرات كثيرة في التعامل مع قضية الشرق الأوسط، لكنها تقع في المأزق حالياً مرة أخرى.
يكمن السبب الجذري في أن الولايات المتحدة لم تقف يوماً موقفاً عادلاً، ولم تفكر في قضية الشرق الأوسط بأقل مراعاة لمصالح دول الشرق الأوسط، بل تعاملت مع قضية الشرق الأوسط خدمة لهيمنتها الخاصة، فسعت الولايات المتحدة للحفاظ على "موقعها المهيمن" في الشرق الأوسط في الوقت الذي تنفذ الانكماش الاستيراتيجي بشكل عام، فهي لا تريد التورط بعمق في الصراعات الإقليمية، بل تدعم طرفاً لضرب طرف آخر لتكوين دائرة صغيرة من المصالح في الوقت نفسه. مثل هذا النهج يؤدي حتماً إلى تصعيد الوضع في المنطقة.
وإذا أردنا تهدئة التوترات في البحر الأحمر وتجنّب زيادة انتشار تداعيات الحرب على غزة، فلا يوجد خيار آخر إلا بذل جهود لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة. إن موقف المجتمع الدولي من هذه الأزمة واضح: وقف فوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة.
من هنا، يمكننا أن نرى بوضوح أن الولايات المتحدة التي لا تزال تدّعي أنها تريد تعزيز السلام الإقليمي تصب الزيت على النار في الحرب على غزة التي تعتبر السبب الجذري لتوترات البحر الأحمر. ومن أجل مصالحها الخاصة في المنطقة، لن تتردد الولايات المتحدة في اختطاف مصالح العالم بأسره.